الزواج ليس غاية الحياة، والذين يعتبرون الزواج غاية في حد ذاته، فإنهم سرعان ما يشعرون بالملل، فإن الإنسان خُلق لأداء رسالة، والزواج ما هو إلا خطوة في تحقيق هذه الرسالة، ورسالة الإنسان هي عبادة الله تعالى، وعمارة الكون، وإقامة دين الله في الأرض، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58]
فالحياة بدون هدف تبعث على الملل، والزواج ليس غاية في حد ذاته، إنِّما هو وسيلة لتحقيق غاية على المستوى الفردي: طلب العفاف والإحصان، وعلى المستوى الجماعي: الحفاظ على النسل، وحماية المجتمع من الإنحراف، وتكوين الأسرة المسلمة التي هي لبنة المجتمع وأداة بنائه بناءً سليمًا قويًا.
وتقوم مجتمعاتنا العربية بتربية الفتيات وتعظيم مسألة الزواج في نفوسهن، وشحنهم بهوس تجاه هذا الموضوع وهذا أمر خطير بحق، وينتج عنه الكثير من المشكلات التي لا تعد ولا تحصى، وأرى أن هذا هو السبب الأول لإرتفاع نسبة الطلاق لدينا، فتعطيل طاقات الشابة الناجحة، من خلال إيقافها عن نشاطاتها العامة وإدخالها الحياة الزوجية دون تهيئة أو تفكير، أو إيقاع بعض الفتيات تحت ضغط نفسي بالتلويح بشبح العنوسة أمامها، حتى تتسرع إحداهن وتتزوج بأول طارق لبابها، دون أن تتريث في الإختيار، أو تعرف مدى مناسبة هذا الشاب لها، هو من يتسبب في هدم بيت الزوجية وارتفاع معدلات الطلاق خاصة بين صغيرات السن.
أختي الحبيبة...لا تعتقدي أن الزواج يساوي الحياة، فالزواج مسلك واحد من مسالك الحياة المتعددة، فأنتي لم تخلقِ للزواج فقط، وإن كان هذا أمراً فطرياً تتمناه كل فتاة، لكنّ المؤمنة تعلم أنها خُلقت لعمارة الأرض بجميع أنواع العمران.
خُلقت لعبادة الله: فحققي هذه الغاية التي خُلقت من أجلها، إستمتعي بعبادة ربك ليل نهار، تقربي له بالصيام والذكر والتلاوة ونحوها.
بر والدك ووالدتك: فورب محمد عليه الصلاة والسلام إن فيه من الفوائد مالا تساويه متعة زواج وأنس بولد.
العمل والمشاركة في بناء مجد الأمة: ومن تأمل في واقع العمل الإسلامي يجد أن أغلب المبدعات من اللاتي لم يكتب الله لهن الزواج، مع وجود فاضلات قد جمع الله لهن بين الزواج والإنجاز وهن كثيرات.
كم من فتاة كانت تظن أنها إن لم تتزوج صارت من أتعس الناس فلما تزوجت وقعت فيما حذرت منه وصارت شقية في زواجها، والقصص عندي أكثر من أن أحصيها.
ينبغي أن نؤكد علي أن الزواج في حياة كل امرأة دعامة أساسية ومحورية، ولكنها ليست الدعامة الوحيدة التي تقوم عليها حياتها، بل هناك دعائم أخري لن تكتمل حياتها ما لم تعتن بها بنفس القدر، فهي كإنسانة لها شخصيتها التي تحتاج لتطوير روحي وجسدي وثقافي ولها إهتماماتها وعلاقاتها الإجتماعية وهواياتها وهي كلها تمثل دعامة مهمة تحتاج لها لتستقيم بها حياتها مع الآخرين حتى مع زوجها.
وتتكامل الدعائم -الأدوار- في حياة المرأة لتشكل حياتها الحقيقية التي يعد فيها الزوج دعامة من مجمل دعائم البناء ودور من مجموعة أدوار يختلف عنها فقط في كونه الأشد والأعلى في درجة الحقوق الشرعية.
أختي الغالية أصل خلق الإنسان هو أن يعمر الأرض، وكل فرد له طريقته في الحياة في مسألة الإعمار...بعضهم يعمرها بالعلم، بعضهم يعمرها بالزواج وتوريث أبنائه فيها حتى يواصلوا رسالته، بعضهم يعمرها بالعمل، الفتاة هنا عليها أن تعمر الأرض بعلمها وبفكرها وبجهودها في كافة من المجالات.
المصدر: موقع رسالة الاسلام.